إعلام النقابة / العاصمة عدن
برعاية فخامة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي نظمت اللجنة الاستشارية الشؤون الثقافة والاعلام باتنسيق مع نقابة الصحفيين و الإعلاميين الجنوبيين صباح يوم الاثنين ٢٠٢٥ حلقة نقاش حماية حول ( الإدارة الصحفية )،
شارك فيها الأساتذة أحمد الربيزي نائب رئيس مجلس المستشارن وعيدروس باحشوان ونجيب مقبل وخالد شوبه بأوراق بحثية مهمة حظيب بمناقشات من قبل عدد من الحاضرين
ورقة مشاركة “1” للأستاذ نجيب مقبل
حول:
الإدارة الصحفية في (14اكتوبر) نموذجا
رؤى واستخلاصات .. “تجربة (47) عاما في بلاط الصحافة”
مقدمة
ابتداء أشير إلى أنني دخلت عالم الصحافة من باب الثقافة وقصة بداياتي والصدفة التي جعلتني غارقا في عالم الصحافة منذ عام ١٩٧٧م ، سبق وأن نشرتها في مقالة بعنوان (تسعون يوما في قصر السلطان) ، وقصة اشتغالي في الحقل الثقافي في صحيفة (١٤ اكتوبر) اعددتها في ندوة في فعاليات للتحضير لتأسيس نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين .
وأنا اليوم للكتابة عن الإدارة الصحفية اسرد ملاحظاتي من خلال رؤية شخصية وتجربة خاصة بنا امتدت لحوالى (٤٧) عاما من الدخول الى عالم الصحافة شابا في العام ١٩٧٧م وتدرجنا فيها من مساهم إلى كاتب ادبي لقصائد وموضوعات أدبية حتى دخولنا في عالم الإدارة الصحفية اثناء ترؤسنا القسم الثقافي والملحق الثقافي أوائل تسعينيات القرن الماضي حتى تدرجنا سكرتيرا للتحرير عام ١٩٩٧م ومديرا للتحرير على فترتين عام ١٩٨٩- ١..٢ م ثم عودتنا مديرا للتحرير عام ٢٠٠٥م ونائبا لرئيس التحرير عام ٢٠١٠م حتى وصولنا لرئاسة التحرير ٢٠١٦ حتى ٢٠٢١م، إلى جانب تحملنا مسؤليات ادارة مجلات مثل مجلة (الحكمة) عضوا ثم مديرا للتحرير، و رئيسا لمجلة تخصصية (البيئة والمجتمع) وسلسلة طويلة من التاريخ الحافل بالعمل في الإدارات الصحفية في صحيفة (١٤ اكتوبر) .
من خلال مشوارنا الطويل في تسنم هذه المناصب في الإدارة الصحفية ، يمكن لي أن اقدم لكم في هذه الندوة التخصصية حول (الإدارة الصحفية) نزرا مما اختمر في الذاكرة وانبجس من ينابيع التجربة في حديث متواضع واستخلاصات حول طبيعة الإدارة الصحفية وتحدياتها ، من دون ذكر بيبلوجرافيا أو مسحا لطبيعة عملنا في الادارات الصحفية خلال هذا العمر الطويل في بلاط صاحبة الجلالة.
وعليه.. أقدم في هذه المداخلة استخلاصات لرؤية شخصية حول طبيعة الإدارة الصحفية من دون أن استعين بأية تعريفات أو موضوعات (سكولاءية) مدرسية حول مفهوم الإدارة الصحفية منقولة من الكتب والمراجع.
ولذا وجب التنويه أن كل ما يذكر في هذه المداخلة المتواضعة هي من بنات تجربتي الشخصية ورؤيتي الفردية المتواضعة وبالخصوص في صحيفة (١٤ اكتوبر) الرسمية العدنية وماهية تحديات الصحفي والمثقف أثناء اشتغاله في الصحف الرسمية التي لها توجهها الرسمي الحكومي وسياستها الخبرية والصحيفة التي لا تعبر بالضرورة عن مواقفه الفردية الخاصة الا من حيث انتماءاتها للمهنية الصحفية .
استدراك حول وضع الصحافة الورقية
أعلم أن الصحافة الورقية والمؤسسات الصحفية الرسمية يعيشان زمنا انقراضيا ، ولا يتوافق حديثنا هنا عن الإدارة الصحفية التعبير عن موضوع مستقبلي وانما عما تبقى من إدارة صحفية لمؤسسات صحفية ورقية تكافح في سبيل تأكيد الحضور في عالمنا المعاصر الذي يشهد طفرة في النشر الصحفي الاليكتروني على حساب الصحافة الورقية .
ولكن من المهم التنويه أن هذه الاستخلاصات بقدر ما تعبر عن إدارة صحفية تقليدية ، إلا أنها ، كما ارى، تحمل استبصارا ما لطبيعة اي إدارة صحفية تقليدية قائمة أو مؤسسة صحفية معاصرة تؤدي رسالتها الإعلامية والنشر من خلال الورق أو الفضاء الاليكتروني ، املا أن يكون هناك تقاطعا في الاستخلاصات بين الماضي والحاضر .
الإدارة الصحفية:
الإدارة الصحفية هي فن ادارة نشاط الصحيفة في تنفيذ سياستها الصحفية ونشرها في مطبوع صحفي يتلقاه القارىء ضمن سلسلة تراتبية من أعلى راس فيها رئاسة أو إدارة أو سكرتارية التحرير إلى ادناها في الإدارات والأقسام والمحررين بحسب تركيبتها الادارية وتجهيز رسائلها الإعلامية المتنوعة في صفحات التي تؤلف في الاخير إصدارا صحفيا ومتنوعا ينشر في عدد يومي أو أسبوعي أو شهري او فصلي أو سنوي يجسد في الاخير بمختلف الأشكال الصحفية من مادة وصورة وكاريكاتير عن نهج أو سياسة إعلامية لتلك الصحيفة.
والإدارة الصحفية ضمنا تبدأ من ادارة الكلمة والصورة التي يحررها المحرر أو المصور وتنتهي بالاصدار المقرؤ لدى القارىء في الصفحات المتنوعة والمبوية عبر سلسلة من آليات في العمل التحريرية والفنية والطباعية والاعمال المساعدة للنشر ، وهي تستمد في فاعليتها من نشاط مؤسسي يربط المنتوج الصحفي المقرؤ بأنشطة جانبية أخرى كالتوزيع والنشاط التجاري والإدارة المالية والعلاقات العامة وغيرها.
وتتوزع وظائف الإدارة الصحفية بحسب الموقع الذي يشغله الصحفي ابتداء من القسم أو الإدارة الصحفية إلى سكرتارية التحرير وادارة التحرير و رئاسة التحرير.
والإدارة الصحفية بقدر ما هو نشاط محدد بانجاز عمل تحريري لصناعة اصدار صحفي موحد ، إلا أنه نشاط اداري متعدد يربط أكثر من عمل له صلة بالاصدار الصحفي كالعمل الفني او الطباعي أو أعمال نمطية كالتوزيع والاعلان وغيرها .
فالاصدار الصحفي هو صناعة متواترة ومتكاملة تتطلب إدارة تجيد فن الجمع والتنسيق والتنفيذ المتلازم بين الإدارة التحريرية والادارات الفنية والطباعية والنمطية وغيرها، وتحقيق التجانس والانسيابية في انجاز مهمة الاصدار بهدف الوصول إلى القارىء في الوقت المناسب وبالكيفية المرسومة لتفيذالسياسة التحريرية المطلوبة من أجل خلق التأثير على الرأي العام.
ولذا فليس كل صحفي قادر على تحمل مسؤولية الإدارة الصحفية ، لأن هنالك الكثير من الصحفيين ممن يرى أن مهمته تنتهي عند كتابة المقال أو المادة الصحفية وتسليمها للإدارة الصحفية، ولا يكلف نفسه معرفة السلسلة المتواصلة في إدارة هذه المادة ، سواء كانت خبرا أو مقالة أو تحقيقا أو صورة أو كاريكاتيرا وغيرها من أشكال العمل الصحفي، تبدأ من اجازة النشر والتصحيح والتدقيق المضموني واللغوي والتبويب في النشر على صفحات متخصصة والمراحل الفنية في الاخراج الفني والطباعة والتوزيع وغيرها حتى تصل مادته إلى يد القاريء، ولهذا سقط البعض منهم ممن استلموا الإدارة الصحفية في فخ خلل التعامل مع مقتضيات الإدارة الصحفية حتى تصار الصحيفة اصدارا متاحا للمتلقي في آخر المطاف، وهذا الامر لا ينقص من قيمة الصحفي كمحرر مخبر أو كاتب صحفي متميز وذو خبرة في الكتابة وله مكانته وخبرته فيها.
فالادارة الصحفية بقدر ماتتطلب مهارة في معرفة وممارسة النشاط التحريري وإدارة الإدارات و الاقسام ومسؤولي الصفحات ، فإنها أيضا تتطلب مهارة في فن التعاطي مع الإدارات التخصصية والادارات النمطية العامة المرتبطة بصناعة الصحيفة كنشاط متكامل.
فنشر الصحيفة منتوج يتطلب يتطلب تكاملا بين مختلف الإدارات التحريرية والفنية والطباعية والنمطية المساعدة.
وتتحدد درجة الشغل في الإدارة الصحفية من طبيعة الموقع الاداري المسؤول في الصحيفة ابتداء من المحرر ، مدير الإدارة أو رئيس القسم ، سكرتير التحرير ونوابه ، إدارة التحرير من مدير ونوابه، رئاسة التحرير من الرئيس ونوابه.
ولكل صحفي أو فني او مشتغل في الصحيفة موقع له في هذه الادارات بحسب مهاراته وميوله ووظيفته .
ولذا فإن من الطبيعي أن نذكر ماهية هذه الادارات التي تنضوي ضمن نشاط الإدارة الصحفية العام وهي:
الإدارة التحريرية:
وهي ادارة تهتم بالنشاط التحريري للمحررين والمصورين من خلال الإدارات أو الاقسام الصحفية المعروفة وسكرتارية التحرير ورئاسة التحرير.
وببدأ نشاطها من رسم الخطط والتكليفات العامة التي تعكس على الادارات الصحفية لمحرري الصحيفة ، تبعا لخطط وتكليفات االادارات والأقسام التحريرية.
وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الإدارات الصحفية كإدارة الاخبار، الصفحة الدولية ، التحقيقات ، الثقافة والفن، الرياضة ، الصفحات المجتمعية، مقالات الرأي ، المنوعات وغيرها.
وتبدأ عملها من متابعة التكليف للإدارة الصحفية والصحفي المكلف بها ، ثم مرحلة الاجازة والتصحيح المضموني واللغوي ، وتاليا رسم السياسة الخبرية للعدد الصادر.
الإدارة الفنية:
وهو قسم أو إدارة لتحويل المادة الصحفية إلى مادة اخراجية عبر صياغة التناغم بين المادة المكتوبة والصورة المرافقة وتنسيقهما في شكل اخراجي مبوب في صفحة وتكون جاهزة للمراحل اللاحقة للمونتاج والطباعة.
وقد تسبق هذه العملية عملية التنضيد الضوئي التي انتهى دورها في عالم التراسل الاليكتروني، وقبلها قد تتم عملية الاستقبال الاليكتروني للمادة في البريد الاليكتروني وجلب الصور اوارسالها للتحرير عبر شبكة تراسل اليكترونية داخلية .
وتنتهي المرحلة الفنية في المونتاج الاليكتروني (CTP) أي التحويل من الاخراج في الكمبيوتر الى صفائح معدنية قابلة لنسخ ما ترسب فيها من صورة للصفحات الى الطباعة الصحفية.
الإدارة الطباعية:
وهي مرحلة الطبع في مكينة عملاقة مثل آلة الجوس، ويتم فيها طباعة الصحيفة كاملة ضمن نسق طباعي محدد.
الإدارات النمطية المساعدة:
التوزيع:
وفي هذه المرحلة يتم تجميع النسخ المطبوعة وربطها ومن ثم توزيعها على اكشاك البيع وجهات الاشتراك وغيرها.
إدارة الاعلانات:
وهي إدارة تختص بنشر الاعلانات واخراجها في صفحات محددة.
كل هذه المراحل تدخل تحت سلطة الإدارة الصحفية وعلى سكرتير ومدير ورئيس التحرير أن يدير هذه المنظومة بصورة تناغمية تحقق الغاية في إنتاج الاصدار الصحفي بصورة دورية .
من جهة أخرى تتعلق بالإدارة الصحفية أيضا إدارات نمطية كالادارة المالية، والتنمية البشرية والادارية وادارة المشتروات وغيرها، وعلى مسؤول الإدارة الصحفية أما أن يتولى الإشراف عليها إذا كان يجمع بين رئاسة مجلس الإدارة و رئيس التحرير، أو يتولى التنسيق مع رئيس مجلس الإدارة إذا كان يتحمل مسؤولية رئاسة التحرير فقط.
إذن الإدارة الصحفية لاتكتفي بادرة النشاط التحريري فقط كما يتبادر لقليلي الخبرة من الصحفيين غير المتمرسين، وانما هي إدارة الاصدار الصحفي للصحيفة برمتها تحريرا وتنسيقا فنيا وطباعة وتوزيعا.
التحديات التي تواجه الإدارة الصحفية:
من خلال خبرتنا المتواضعة يمكننا الحديث عن التحديات التي تواجه الإدارة الصحفية باعتبارها نشاط تكليفي ضاغط تواجه اي مسؤول عن الإدارة الصحفية وهو يمارس عمله واشرافه على الإدارات لتحقيق هدف أصدر العدد الصحفي على أكمل صورة .
ويمكن ايجاز أبرز هذه التحديات في الآتي:
١- تكاملية الأداء:
على الإدارة الصحفية أن تضمن انسيابية التكامل والتنسيق بين الأعمال التحريرية والفنية والطباعية والاشغال المساعدة ، لأداء مهمة الإصدار في موعده ودون مشكلات.
٢- الحلول السريعة والمباشرة:
في مجرى العمل التحريري والفني الاخراجي والطباعي تظهر بعض المشكلات الطارئة ،وعلى الإدارة أن تتمتع بخاصية ايجاد الحلول المباشرة أو الآنية أو التفكير من خارج الصندوق في الحلول ، ولا يحتمل إصدار الصحيفة اي تأجيل أو تسويف أو التفكير بخط واحد لا يحقق غرض الخروج من مأزق ما.
٣- إدارة الوقت:
الصحيفة اصدار يومي ولا يمكن تأجيل هذا الاصدار لأي سبب داخلي أو تسويف زمنية الإنجاز ، لأن انجاز صحيفة ما هو صناعة يشترك فيها أطراف متوالية واي تأخير في مرحلة ما يعكس نفسه في تأخير باقي المراحل، وقد يتطلب الاصدار نقله في مواعيد محددة بالطائرة أو الحافلة ولن ينتظرك الاخرون.
لذا فإن إدارة الوقت بصورة دقيقة في إنجاز اي مرحلة ما مهم لأي إدارة صحفية ، وسلوك مسار مهني واداري يتطلب المراقبة والمتابعة وحل المشكلات الطارئة دون تأخير.
فالوقت في الصحافة سيف إن لم تقطعه يقطع مهمتك في الإدارة الصحفية ويذبح آلية العمل المتواترة ، وتظهر العشوائية في العمل دون انضباط صارم الفشل الذريع في اي إدارة صحفية.
٤- الإبداعية والتجدد
العمل الصحفي روتيني في المقام الأول رغم حيوية المادة المتجددة مضمونا، لذا على الإدارة الصحفية أن تتمتع بحس ابداعي لا يكرر عمل الامس في صورة عدد اليوم، ولا يرتهن بالخطط الجامدة للتحرير والإخراج الصحفي بل عليه أن يوجد مجالا للمغايرة والتجدد ضمن الخط العام المميز للصحيفة.
٥- مراقبة الأداء والتحفيز:
على الإدارة الصحفية أن تراقب الأداء في انيته وايضا ان تراجع المنتوج بعد نشره، وان تبتدع لذلك اجتماع يومي، لأن العمل الصحفي اني بطبيعته ، ويحتاج لمراقبة ومراجعة الخطط التحريرية وطرق التنفيذ والاداء، وابتكار ادوات وآليات وأساليب على ضوء هذه المراجعات.
٦- بين الآلية المتوالية والمتوازية في الأداء:
تحت ظروف الإنجاز الاني وبحسب الطبيعة المتوالية للمهام التحريرية والفنية والطباعية، فإنه اختصارا للوقت والجهد يمكن ابتكار اليات عمل تتجاوز الحالة التتابعية من التحرير إلى الاخراج إلى الطباعة ويمكن إنجاز مهام أو نصف مهام مرتبطة بالعمل المتقدم بصورة متوازية أو متقدمة واستكماله بعد اتمام مرحلته بصورة اعتيادية .
٧- بين الإداري والصحفي:
أن إدارة عمل متكامل الأركان كاصدار صحيفة قد يدخل المدير الصحفي في شواغل إدارية تشغله عن المهنية الصحفية، وتجعل اهتمامه بالإدارة ياتي على حساب الصحافة، وتفضيل الاداريين بحكم قربهم من المسؤول ليصبحوا في دائرة اهتمامه على حساب المشتغلين بالعمل الصحفي.
٨- تحقيق الرضى الوظيفي:
أن أهم محفز لزيادة وتحسين الإنتاج هو تحقيق رضى وظيفي للصحفي أو الفني او المطبعي، ويتجلى ذلك من خلال أدوات متعددة مثل حل المشاكل الخاصة للعاملين ، التحفيز المالي أو المعنوي، التقليل من النمطية الإداريةالبحتة ، مغالبة الضغوطات الناتجة عن العمل باشكال ترفيهية والحميمية في التعامل بين المدير والصحفيين العاملين، اظهار التقدير والاحترام الوظيفي والإنساني لذوي المكانة والخبرة، وغيرها من أساليب إرضاء الموظفين مهنيا وانسانيا.
٨- إدراك التفاصيل والمشاركة:
على المسؤول أن يحاول فهم تفاصيل المهن المنفذة وألا يكون خارج اطار التعرف والتعلم على أوليات الأنشطة المرتبطة بأداء وتنفيذ الصحيفة المطبوعة، لأن مشاركته المحتملة في اتخاذ إجراءات تنفيذ تخصصية تحريرية أو فنية أو طباعية أثناء الزيارة أو المراقبة تعطي للمنفذ انطباعا بأن المسؤول عنه يدرك ما تعمل وقد يساهم في تصحيح أو تعديل او الغاء بعض مما يراه يحتاج لذلك.
فالمدير الصحفي عليه أن يخرج من دائرته التحريرية الضيقة ويتابع كل المستجدات الفنية والتقنية حتى يكون حاضرا بالفعل وشريكا في الاداء المطلوب.
٩- الخروج عن النص:
في مثل ظروف العمل في مؤسسة رسمية تحكمها سياسة الحاكم أو الحكومة وتشدد الخناق على سقف الحرية في النشر وعلى نمطية الأداء الملبي للسياسة الخبرية والتحريرية الصارمة التوجه، تتولد لدى الصحفي ، رئيسا أو مرؤسا، اشكالية التوفيق بين السياسة التحرية للصحيفة الموجهة وبين القناعات أو الميول الفردية والذاتية للصحفي.
وعلى قاعدة المهنية والسير بخطى هادئة يمكن انجاز بعض المهام التحريرية التي لا تتواكب مع السياسة العامة للصحيفة وقد تناقضها أو تفتح مساحة حرية أوسع مما هو متاح، ويمكن ذلك باستخدام الهاء الصحفي أو التحايل المهني لإنجاز قضايا ونشر موضوعات تؤدي الغرض ولكن من دون ايقاض الرقيب السياسي ، وهنالك أكثر من أسلوب في تمرير بعض القضايا الكبرى بلغة هادئة ومن دون شوشرة ومن خلال النشر التوثيقي، إلى جانب الخروج عن سياسة البروباجندا إلى سياسة التنوير والتوعية المعرفية من خلال التركيز على الصحافة المجتمعية التي تساهم في تراكم الوعي النقدي وتظهر الحقائق المغيبة ولا تستفز الرقيب السياسي.
٩- إدارة الإنسان:
أن من أصعب الدروس المستخلصة في الإدارة الصحفية هي إدارة الإنسان ، فمن السهل إدارة العمل وانجازه ولكن من الصعب أن تتغافل عن إدارة الشخص المرؤوس خاصة إذا كان صحفيا، فالصحفي بطبعه كائن متعلم في اقل درجاته إن لم يكن مثقفا أو من النخبة أو مخضرما ذا مكانة مهنية، والوضع يتطلب من الرئيس أن يجمع بين الحزم المهني واللين الانساني، وتقدير الذوات وبالخصوص المخضرمين ، والتعاطي بمهنية وإحساس اداري من جهة ، ومن جهة أخرى إعطاء الخصوصية لذوي المكانة والتجربة ، والتعامل الأفقي وليس الرأسي في التعامل مع الصحفي من دون أن يسقط عنه هيبة المنصب والمسؤولية ولكن في الصحافة كمهنة ذهنية يشتغل فيها أناس مثقفون ومتعلمون ومن اجل تقدير العقول التي تنتج عملا ذهنيا ذا خصوصية فإن ذلك يستحق أن يكون التعامل الإداري معهم أكثر رقيا وسموا واحتراما ويخلق مساحة من الود الوظيفي والتشارك العملي والاحترام المهني.
الصحافة ثقافة وتوعية مسؤولة :
أن المنهج الذي مارسته خلال فترة عملي الصحفي لا يخرج عن تعريف الصحافة أنها ثقافة تراكم الوعي المستنير لدى المتلقي، وتمنحه المضمون والجمالية معا رغم سياسة البروبجندا السياسية للحاكم والمسؤولين، لكن هذا لا يمنعنا أن نستخدم هذه القوة الناعمة في التوعية والتنوير والترفيه الراقي ، والاهتمام بالصحافة المجتمعية المرتبطة بالناس وقضاياهم وتطوير مهاراتهم، كما لاتغفل الدور الثقافي والفني العام، والتوعية الحضارية والقانونية ، ومواجهة أساليب الطمس الحضاري والاهمال المتعمد للتاريخ الوطني والنضالي ، وكل ذلك كان يتم بسياسة صحفية على نار هادئة في ظل تعتيم ممنهج للتاريخ والهوية ، ويمكن الرجوع الى الاعداد الخاصة بالمناسبات الوطنية التي كرست الحضور النضالي التحرري لقادة مرحلة الكفاح المسلح في الجنوب وأظهرت صفحات ناصعة من تاريخ الشعب وقادة النضال رجالا ونساء والنضال السلمي ، كما أظهرت قادة الاستقلال في المحافل الديبلوماسية ، والنتيجة أنها كانت مقاومة ناعمة ضد شطب تاريخ الجنوب في زمن كانت سلطة 7/7 متسلطة على الرقاب وخاصة السلطة الإعلامية المرتبطة بالسلطة العسكرية والاستخبارية.
والتاريخ سيشهد ما صنعته الإدارة الصحفية منذ عام 2007 م في هذه الملاحق المناسبات الوطنية من مقاومة ناعمة لاظهار وترسيخ الوعي بتاريخ نضالي وشخصيات نضالية وسياسية جنوبية كان السائد من السلطة السياسية والإعلامية من ورائها في تلك الفترة الغاشمة أن تطمس ولا تظهر تاريخا ناصعا لشعب ذي تاريخ وهوية.
كانت تلك مقاومة ناعمة ولكنها مؤثرة ضد احتلال فكري وتاريخي مارسته سلطة 7/7 وكان لصحيفة (١٤ اكتوبر) رغم السيطرة التوجيهية لها من قبل هذه السلطة الغاشمة شرف المشاركة في النضال السلمي الجنوبي.